الاثنين، ١٦ فبراير ٢٠٠٩

مشاهد من رحلة رفح _ المشهد الثالث


العدوان على غزة..عدوان على مصر


و نحن نجلس فى القاهرة ربما يفكر احدنا ان يحمد الله على ان الحرب بعيدة عن بلدنا و ربما يخرج لك احد الخبراء من القناة الاولى ليقول ان الرئيس بحكمته و اتفاقية السلام قد جنبا و اهلها ويلات الحروب و ان مصر آمنة .. و ربما تصدق هذا الكلام و لكن اذا ذهبت سيناء سواء فى العريش او فى رفح سترى صورة اخرى .. فقد كنت اركب مع سائق تاكسى فى العريش و فجأة سمعنا صوت سرينة سيارة الاسعاف و لكنها استمرت بعض الوقتففوجئت بالسائق و قد اضطرب جدا و أخذ يتساءل هل هى سيارة اسعاف ام طائرة فتعجبت طائرة فى العريش فأجابنى بأن هذا يحدث .. ففى بعض الاحيان تحلق الطائرات الاسرائيلية فوق سيناء و لكنى لم اصدق و لكن بعد عودتى سمعت من السياسيين و الصحفيين ان اتفاقية كامب ديفيد تسمح للطائرات الاسرائيلية بالتحليق فوق سيناء ..


المهم ان اهل سيناء يتحدثون عن مخاوف دخول اسرائيل سيناء .. قلت لأحدهم ان اسرائيل ليس لها رغبة فى سيناء , فرد بعنف " إسرائيل هتموت على شبر من سيناء" (و يبدو ان هذا الاعتقاد موجود عند كل اهالى سيناء)


و يعرف اهل العريش انه لا يوجد جيش على الحدود قادر على حمايتهم اما فى رفح فلا يكاد صوت طائرات الاستطلاع الاسرائيلية ((الزنانة)) يفارق سمعك و اذا ضرب صاروخ او قذيفة على رفح الفلسطينية فستهتز الارض من تحتك و سيدخل الرعب قلبك و ترى الزجاج يتناثر ... و من اهالى رفح من ترك رفح و استأجر شقة فى الشيخ زويد او فى العريش ليبعد عن آثار الحرب و بعضهم يترك بيته ليلا لأن الضرب الاسرائيلي لم يكن يهدأ بل كان يشتد ليلا فيشتد الاذى لأهل رفح .. فبعض البيوت قد تصدعت من جراء القصف.. اما من الناحية الاقتصادية فأغلب المحلات فى رفح مغلقة و لا تفتح الا عند عبور اهل فلسطين .. و سائقو السيارات يعملون بشكل اساسى على نقل الركاب من و الى المعبر و كل ذلك متوقف من شهور طويلة.. و المصدر الموجود الان للدخل هو الاتفاق مع من عنده نفق لغزة يهرب فيه السكر و الزيت و لكن ثمن مثل تلك الانفاق غالى فثمنها اعتقالات و احكام بالسجن و مداهمات امنية و طبعا اهالى رفح خاصة من يمكلون منازل بالقرب من الشريط الحدودى يعانون من المداهمات الامنية بشكل شبه يومى , فممنوع عليهم الصعود لأسطح منازلهم , ممنوع التصوير , ممنوع استقبال احد من زوار المدينة , لجان التفتيش فى كل شارع , حتى الترفيه فى رفح ممنوع فالشاطئ مغلق منذ انسحاب الجيش الاسرائيلى من غزة فى 2005 و لا يفتح إلا لأيام قليلة كل صيف و هو الآن مغلق منذ شهر يوليو 2008 و عليه قوات من حرس الحدود..


هذه بعض معاناة اهل رفح و العريش و سيناء و هذه اضرار وقعت على جزء من ارض مصر .... و هذا هو الامان الذى وفرته لنا اتفاقية السلام

الثلاثاء، ١٠ فبراير ٢٠٠٩

مشاهد من رحلة رفح_المشهد الثانى

الحدود مصطنعة

((الحدود مصطنعة)) كلمة اسمعها منذ الصغر و معناها ان الحدود بين الدول العربية ليست حدودا طبيعية بل هى حدود صنعها الاستعمار لتفتيت الدول العربية .. و لكن ليس من رأى كمن سمع ... فهذه اول مرة اعرف فعلا معنى هذه الكلمة و فى رفح تحققت كلمة (الحدود المصطنعة) بشكل واقعى عندما تقف فى الشارع فى رفح و تنظر الى اخر الشارع ستجد غزة و ترى المبانى و المآذن و غيرها من معالم رفح الفلسطينية و هذا معنى اخر يدل على اصطناع الحدود فهنا رفح و هناك رفح ايضا و هذه مصرية و تلك فلسطينية....
فى آخر اى شارع فى رفح (مثل بوابة صلاح الدين) ستجد سور بنى حديثا بعد حادث عبور الفلسطينيين إلى مصر منذ حوالى العام .. و كان قبل السور سلك شائك بسيط و قبل السلك الذى كان يفصل بين رفح و اخرى كان هناك سلك يفصل بين البيوت او كما يحكى اهالى رفح يفصل السلك بين اسكح البيوت و لكن بعد فترة هدم الاحتلال من جانب و مصر من جانب البيوت المتلاصقة و ارجعها الى الخلف.. و على شاطئ رفح لو مشيت على الرمل الاصفر فما هى غير خمس دقائق لتصل الى شاطئ غزة و الفرق بين الشاطئين كالفرق بين شاطئ سيدى بشر 1 و شاطئ سيدى بشر 2 فلن تعرف ان شاطئ رفح (المصرية) انتهى إلا اذا رأيت برميل دهن بعلم مصر لتعرف ان قد جاوزت الحدود...
فى رفح يصعب عليك التعرف على المصرى و الفلسطينى فالاثنان ملامحهما متشابهة و لهجة الكلام متشابهة و العائلات فى رفح او حتى فى العريش كلها لها اصول او اقارب فى غزة , و قد قابلت احد الشباب والده مصرى و عمه فلسطينى و باقى العائلة متداخلة, جزء يقيم فى العريش و جزء يقيم فى خان يونس.
التداخل بين الحدود وصل حتى إلى وسائل الاتصال الحديثة فما ان تصل الى رفح حتى تجد ان هاتفك قد وجد اشارة شبكة المحمول العاملة فى غزة و تجد رسالة من شركة المحمول ترحب بك فى فلسطين .. و بعض الاهالى فى رفح الفلسطينية نتصل بهم على ارقام محمول مصرية.. و كأن رسالة الترحيب من شركة المحمول الفلسطينية هى رسالة لنا بأنه عبر الازمان و مهما صنعنا من حدود فستظل الحدود مصطنعة و كاذبة .. و حتما ستزول لتعود وحدة الارض و الشعوب و المصير

الأربعاء، ٤ فبراير ٢٠٠٩

مشاهد من رحلة رفح


منذ حوالى العام حدث ان اقتحم الفلسطينيين السلك الشائك بين رفح المصرية و الفلسطينية و اصبحت الحدود مفتوحة بين البلدين و كانت فرصة لكثير من الشباب للذهاب الى رفح المصرية و العبور منها الى رفح الفلسطينية و وقتها عرض على بعض الاصدقاء ان ارافقهم فى رحلة الى رفح و لكن ظروفى الشخصية فى هذا الوقت لم تكن تسمح لى بترك القاهرة , هذا الى جانب انى بصراحة لم تكن عندى الحماسة الكافية لهذه الرحلة ... و مع حدوث العدوان الاجرامى الصهيونى على غزة , و جدت بداخلى دافع غريب للذهاب الى رفح على عكس المرة السابقة, و رغم ان الاصدقاء هذه المرة اخذوا فى تحذيرى من الذهاب إلا ان الدافع الداخلى كان اقوى و لا اعرف إذا كان هذا الدافع هو احساس بالندم على إضاعة فرصة الدخول إلى ارض غزة (ارض الرباط) ام كان الدافع هو احساس بالذنب عن عدم استطاعتى ان افعل شيئا من اجل شهداء غزة ام هو احساس بأنه يجب على ان اكون موجودا بجوار غزة وهى تضرب بما انى لا استطيع ان اكون داخلها ... ام هو حب استطلاع لمعرفة ما يحدث فى غزة او على الاقل على الحدود .
و كان القرار بالذهاب الى رفح .... و ذهبت الى رفح ... و كانت هذه المشاهد من رحلتى القصيرة لمدة 36 ساعة الى رفح "المصرية".



المشهد الاول
(مصر تحارب فلسطين)



و هذا اكثر المشاهد وضوحا فى رفح .. او قل هذا هو الاحساس الذى سينتابك و انت فى رفح ... ففى الطريق الى العريش او الى رفح ستجد تفتيش على البطاقات سواء كنت فى طريق الذهاب او طريق العودة و الغرض من التفتيش هو البحث عن فلسطينيين ليصبح نجاح المخبر فى الوصول الى فلسطينى فى السيارة ليقوم بانزاله و التأكد من اوراق اقامته و صحتها و ماذا يفعل بالضبط (باعتبار) ان وجود فلسطينى على ارض مصر هو امر غير عادى و مريب .. فالفلسطينى الموجود فى مصر هو فى الاساس متهم و هى رسالة لكل فلسطينى انه شخص غير مرغوب في وجوده فى مصر ...
و اذا وصلت الى مدينه رفح تجد المدينة حقا محصنة فهناك امن مركزى و جيش مصر الباسل و مباحث و مخابرات و امن دولة و غيرها من الاجهزة الامنية و المتاريس فى الشوارع و السؤال البديهى هو : هى مصر خايفة من اسرائيل؟ فتأتى الاجابه من اى واحد فى الشارع: لأ طبعا .. مصر خايفة من الفلسطين و ان الفلسطينيين يدخلوا مصر .. و كلما زاد الضرب على غزة و على رفح الفلسطينية (و هذا امر تستطيع ملاحظته بسهولة و انت تسير فى رفح) تزداد التعزيزات الامنية فى رفح المصرية تحسبا لدخول اى فلسطينى فارا من الحرب او الضرب او حتى طلبا للغذاء او الدواء و لعل هذا التصرف المصرى هو الذى ادى الى اشتباك الجيش المصرى مع مجموعة من الفلسطينيين الذين فروا من احدى الغارات الاسرائيلية الى رفح المصرية ليفاجئوا بالرصاص المصرى يستقبلهم فحدث الاشتباك الذى ادى الى مقتل شاب فلسطينى و ضابط مصرى... و طبعا ما تفعله مصر ضد الاتفاقيات الدولية التى تمنع اغلاق الحدود امام الفارين من الحروب .. فما بالك اذا كان الفارين هم اشقاء العروبة و الاسلام ؟!!
و عندما احببت ان انسى الحرب و احصل على صورة لغزة التى تظهر امام عينيك وجدت ان ذلك ممنوعا حتى انه اصبح ممنوعا على اهالى رفح انفسهم .. فقد يتعرضون للقبض عليهم اذا صور احدهم رفح الفلسطينية من داخل منزله مخافة ان تتسرب هذه الصور للصحفيين و ان يكون فى هذه الصرو ما يوضح الخراب و الدمار الذى خلفه الاعتداء الصهيونى على غزة .. و اذا ما تركنا رفح المدينة ذهبنا الى رفح المعبر تكتشف حقيقة ان كل ما يقال فى العلام المصرى الرسمى ((كذب)) فاهل غزة لا يريدون ان يقيموا فى سيناء بل سنجد اهل غزة الموجودن فى مصر يريدون ان يعبروا الى داخل غزة و هو يشاهد الطائرات الاسرائيلية تقصف بيوتهم ... ستكتشف ايضا ان المعبر لا يفتح الا عدد محدود من الساعات و انه لا يدخل من معبر رفح الا الدواء اما الاغذيه و حتى البطاطين و الملابس فلا يسمح بدخولها الا عن طريق العوجة او معبر كرم ابى سالم و هى معابر تحت سيطرة اليهود ولا تعرف لماذا تفعل الحكومة المصرية ذلك ... كنت هناك و شاهدت اعتصام الاطباء المصريين و العرب و اعتصام امناء النقابات الطبية بالعالم العربى و معهم امين اتحاد الاطباء العرب (د. عبد المنعم ابو الفتوح) و مصر ترفض دخولهم الى غزة لإنقاذ الحالات الحرجة التى لا يمكن نقلها و جاء وزير الصحة و رفض مقابلتهم فى البداية و بعد فترة وافق على مقابلة ممثل عن الاطباء (د. مدحت عاصم) لتسمع اغرب رد من وزير الصحة المصرى و هو ان اسرائيل لا تسمح بدخولهم مع العلم ان معبر رفح هو معبر مصرى فلسطينى و لا يوجد لاسرائيل اى علاقة بالمعبر لأن اسرائيل انسحبت من قطاع غزة منذ عام 2005 ..
(بالمناسبة بعد عودتى بيومين دخل بعض الاطباء الى غزة بعد الاذن طبعا).
اليست كل هذه المشاهد تشعرك بان مصر تحارب فلسطين ... لقد كنت متعجبا من المظاهرات التى امام السفارات المصرية و كنت غاضب من حرق العلم المصرى و لكن يبدو ان المصريين هم آخر من يشاهد او يعرف ما يحدث فى مصر .... لقد التمست لهم بعض العذر .. فالظاهر للعيان ان مصر تحارب فلسطين و الحكومة المصرية لم تقل او تفعل ما ينفى ذلك.. و لكن السؤال الآن لماذا تحارب مصر فلسطين و الفلسطينيين؟؟؟؟


كان هذا المشهد الاول و تتوالى المشاهد...